Feeds:
المقالات
التعليقات

Posts Tagged ‘تأملات’

كورنيش عين المريسة
تصوير نبيل إسماعيل – ليلة إعلان حظر التجوّل المسائي في لبنان 26-3-2020 https://bit.ly/3bxgqsP

 

إنّنا نقبع بين أربعة جدران، نتحصّن في بيوتنا، هناك من يُمارس عمله، من يتابع دراسته، من يقرأ، يرسم، يغنّي، يأكل، ينام، يُحادث الآخرين، يُناجي نفسه، يبكي، يصلّي…مهما كان ما نقوم به، فمعظمنا لا يُغادر منزله إلّا عند الضرورة أو لشراء الحاجيات.

هي حالةٌ فرضها علينا فيروس كورونا المنتشر في معظم أنحاء العالم، حالةٌ لم يتوقّع أحدٌ منّا أن يعيش مثلها، وكأنّنا أبطال فيلمٍ أو رواية من روايات الخيال العلمي، ننتظر النهاية وكلّنا أملٌ بالنجاة.

رغم حاجتنا للتواصل مع بعضنا البعض، فقد منحنا الحجر المنزلي فسحةً من الابتعاد والانزواء عن شخصيّاتٍ لو كان لنا الخيار لما بادلناها حتى التحيّة. هي شخصياتٌ نُصادفها في الدراسة، أو العمل، أو حتّى حياتنا العائليّة، شخصيّاتٌ تنقل المشاعر السلبيّة لمن حولها عن قصد أو عن غير قصد. فذلك الذي يحبُّ نفسه حبًّا مفرطًا ويبحث عن مصلحته الخاصّة في كل شيء، أو الذي يكتم أفكاره ومشاعره عن كل من حوله فلا تعرف هل يُضمر لك الخير أم الشر، أو الذي يتباهى بالماديّات وقشور الدنيا وكأنّه يمشي على هامش الحياة، أو الذي يُجيد اختلاق الأكاذيب وكأنّها صنعةٌ يُمارسها، أو الذي يُصوّر لك زرقة السماء ظلامًا حالكًا لفرط تشاؤمه، أو الذي يُراكم الحقد في قلبه وينتظرك عند أول منعطف ليُحاسبك على غلطةٍ ارتكبتها في ماضي الزمان، أو الذي فقد الاحساس بكل من حوله، ولا يعنيه أحد أو شيء.

هذا الحجر قد أعفانا من كل تواصل مارسناه سابقًا بحكم اللياقات الاجتماعيّة مع هؤلاء. وسمح لنا أن نرتّب معارفنا من الأقرب إلى الأبعد، أن نسأل عن أحوال أصدقاء وأقرباء قد أبعدتنا عنهم المسافات أو الظروف أو وتيرة حياتنا السريعة، أن نُراجع أبرز محطات حياتنا فتلمع وجوهٌ في ذاكرتنا قد لا يسمح لنا الزمن بأن نردّ لها الجميل ونُبادلها الوفاء. سمح لنا أن نصغي لأنفسنا، نناجيها، نستعرض أفعالنا وأقوالنا وقراراتنا، ونُعيد النظر فيها. نُراجع كل مشروع أو عمل أرجأناه بداعي ضيق الوقت، لنعي أنّنا نعجز عن القيام به الآن لأن الوقت قد ينفذ منّا.

ساعة رملية

ما نعيشه اليوم في ظل سيطرة هذا الفيروس يدعونا للتأمل في كل تفصيلٍ بسيطِ من تفاصيل الحياة، تفاصيلٍ لم نُعرها أهميةً في السابق لثقتنا بأنّها في متناول اليد. واليوم حين قيّد هذا الفيروس حركتنا، أدركنا أنّه حرمنا من الكثير. حرمنا من لقاء أحبّتنا، من الجلسات والسهرات التي تغصّ بالأحاديث، حرمنا من متابعة أعمالنا ودراستنا على شكلها المعتاد، حرمنا من الخروج للتنزّه، ومن زيارة بلدٍ جديد.

أيامنا تمضي، الليل يتبعه النّهار، ولكن في داخل كلّ واحدٍ منّا ساعةٌ رمليّة لا يتسرّب رملها إلى الأسفل، فالفتحة بين زجاجتيها مسدودة، فكم من حلمٍ يتوقف، وأملٍ يخبو، وطموحٍ يتصدّع في هذه اللحظات. كلّ واحدٍ منّا ينتظر زوال ما نمرّ به وعودة الحياة إلى طبيعتها، ليكمل سيره أو يغيّر الطريق. لعلّنا كبشر نرتدع ونضع حدًّا لشرورنا مهما تفاوتت مستوياتها، ونعيش الحياة بهدوءِ وتناغمِ غيرنا من الكائنات.

 

 

Read Full Post »